
خلل الحركة المتأخِّر هو اضطراب يتميّز بحركات لا إراديّة. غالبًا ما يتطوّر بعد استخدام الأدوية المضادّة للذهان التي تُعيق مستقبِلات الدوپامين في الدماغ، وتؤدّي إلى معاناة جسديّة ونفسيّة كبيرة للمعالَجين
خلل الحركة المتأخِّر (Tardive Dyskinesia - TD) هو اضطراب يتميّز بحركات لا إراديّة وغير مُسَيطَر عليها. قد يتطوّر بعد استخدام الأدوية المضادّة للذهان التي تُعيق مستقبِلات الدوپامين في الدماغ – ناقل عصبيّ يساعد خلايا الدماغ على التواصل بعضها مع بعض وهو ضروريّ أيضًا للتحكُّم في الحركة. الاعتقاد هو أنّ الكثير من الاضطرابات النفسيّة ناجم عن خلل في تنظيم الدوپامين في الدماغ.
تُعطى الأدوية المضادّة للذهان – والتي تُسمّى أيضًا مضادّات الذهان (نيورولپتيك) – كعلاج للعديد من الاضطرابات النفسيّة، بما فيها الفُصام، الاضطراب ثنائيّ القطب (الهوس الاكتئابيّ – مانيك ديپريشن)، الاكتئاب السريريّ، القلق واضطراب الوسواس القهريّ (OCD)، وكذلك لاضطرابات عصبيّة أخرى.
هناك عدّة أنواع من الأدوية المضادّة للذهان: أهمُّها مجموعة الجيل الأوّل والثاني. الجيل الأوّل، طُوِّر في الخمسينات (ويُسمّى "نموذجيّ")، والجيل الثاني، طُوِّر في الثمانينات (ويُسمّى "غير نموذجيّ"). من المتّبع التفكير بأنّ التغيير من الجيل الأوّل إلى الجيل الثاني أخفى ظهور خلل الحركة المتأخِّر، إلّا أنّ الأبحاث لا تؤيِّد هذا الادّعاء. علاوةً على ذلك، أدّى إدخال الجيل الثاني إلى توسيع قائمة دواعي الاستخدام التي يتمّ بموجبها إعطاء الأدوية المضادّة للذهان، إذ في الواقع يكون هناك عدد أكبر من الناس الذين هم عرضة لخطر الإصابة بخلل الحركة المتأخِّر. وبالتالي، يبقى الاضطراب مشكلة جدّيّة وشائعة ترتبط بجميع الأدوية المضادّة للذهان، تقريبًا.
إنّ خلل الحركة المتأخِّر الذي قد يتطوّر بعد أشهر، أو حتّى سنوات، من تناول الأدوية أو إيقافها – يتجلّى في حركات لا إراديّة في الوجه مثل الرمَش، إبراز اللسان وشَدّ الشفتين والخدّين، وكذلك في خلل في الرقبة، حركات بلا هدف للأطراف وتقوّس الجذع. قد يعاني قسم من المرضى من حركات سريعة ومتأرجحة، وقسم آخر من حركات بطيئة والتواءات في اليدين و/أو الرجلين. وبالتالي، فإنّ الاضطراب الذي يُؤثّر بشدّة على الأداء اليوميّ قد يسبّب اضطرابات في النطق، البلع، المضغ، الأكل والمشي، وقد يؤدّي أيضًا إلى مشاكل اجتماعيّة، إحراج وخوف. هذه الأعراض قد تستمرّ فترة طويلة، لا بل قد تتفاقم بعد التوقُّف عن تناول الأدوية.
كما سبق الذكر، فإنّ الأدوية المضادّة للذهان تُعيق مستقبِلات الدوپامين وبالتالي تقلّل أو توقف الاضطرابات النفسيّة، ولكنّها قد تسبّب، أيضًا، أعراضًا جانبيّة حركيّة وأخرى. بعد إعاقة مستقبِلات الدوپامين لفترة طويلة، تزداد حساسيّتها كثيرًا تجاه هذا الناقل العصبيّ، ولذلك فهي تستجيب بقوّة حتّى لكمّيّة قليلة منه. من ضمن العوامل التي تزيد من خطر حدوث ذلك: تناول جرعة عالية من الأدوية لفترة طويلة (رغم أنّ الاضطراب قد يتطوّر، أيضًا، بعد تناول جرعة منخفضة لفترة قصيرة من الوقت)، التقدُّم في العمر (55 عامًا أو أكثر)، الجنس الأنثويّ (النساء اللواتي تجاوزن سنّ اليأس معرّضات لذلك بشكل خاصّ)، تعاطي الكحول والمخدّرات، وHIV/الإيدز.
في هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أنّه ليس كلّ المعالَجين الذين يتناولون الأدوية المضادّة للذهان سيُصابون بخلل الحركة المتأخِّر. فهذه الظاهرة تتطوّر لدى نحو ربع أولئك الذين يتناولونها. يزداد الخطر بشكل أساسيّ وفقًا للدواء العينيّ ومدّة تناوله. مع ذلك، من الصعب للغاية التنبُّؤ بشأن الأشخاص الذين سيُصابون بالمرض، وكما سبق الذكر فإنّ معظم الأدوية المضادّة للذهان يمكن أن تسبّب ذلك.
يجب أن يكون الأشخاص الذين يتناولون الأدوية المضادّة للذهان قيد المتابعة المنتظمة من قبَل الطبيب المعالِج، ويجب فحص العلاج الدوائيّ بمرور الوقت، وإبلاغ الطبيب فورًا عند ظهور أعراض تثير الشكّ بخلل الحركة المتأخِّر. إنّ التشخيص الصحيح والعلاج المبكّر يحسّنان من التكهُّن بالاضطراب وقد يمنعان حدوثه أيضًا. من أجل تشخيص خلل الحركة المتأخَّر، يجب على الطبيب أن يفحص مدّة التناول (والتي ليس بالضرورة أن تكون متواصلة)، تحديد الحركات المميِّزة في منطقتين أو أكثر من مناطق الجسم، ونفي الحالات الأخرى التي يمكن أن تسبّبها هي أيضًا. غالبًا ما يتمّ تشخيص خلل الحركة المتأخِّر عند الأشخاص الذين تناولوا الأدوية المضادّة للذهان لمدّة ثلاثة أشهر أو أكثر.
يُعتبر علاج خلل الحركة المتأخِّر معقّدًا، لأنّ وقف العلاج بالأدوية المضادّة للذهان أو تقليل جرعتها قد يؤدّيان إلى تفاقم الحالة النفسيّة وفقدان التوازن لدى المعالَج. إضافة إلى ذلك، قد يؤدّيان بالذات إلى تفاقم حدّة خلل الحركة المتأخِّر (زيادة الحركات اللا إراديّة). وذلك بسبب الانخفاض في إعاقة مستقبِلات الدوپامين التي تعاني من فرط الحساسيّة تجاهها. من هنا، وعلى نحو متناقض، فإنّ زيادة جرعة الأدوية المضادّة للذهان، بالذات، يمكنها أن تقلّل، مؤقّتًا، من حدّة خلل الحركة المتأخِّر، غير أنّ الحديث هنا هو عن إخفاء الحركات، فقط لا غير. هذا التوجّه إشكاليّ لأنّه يمكن أن يسبّب أعراضًا جانبيّة خطيرة وحتّى مهدِّدة للحياة. قد يكون تبديل الأدوية المضادّة للذهان من الجيل الأوّل إلى الجيل الثاني اتّجاهًا علاجيًّا، ولكنّه قد يؤدّي هو أيضًا إلى إفقاد الاضطراب النفسيّ لتوازنه.
للتلخيص، يجب أن يكون الأشخاص الذين يتناولون الأدوية المضادّة للذهان ويخشون من تطوّر خلل الحركة المتأخِّر قيد المتابعة المنتظمة من قبَل الطبيب المعالِج، وأن يفهموا منه ما إذا كانت الفائدة الكامنة في تناول الدواء أكبر من خطر الإصابة بالاضطراب، وأن ينتبهوا في حال تطوّرت حركات لا إراديّة، على سبيل المثال في منطقة الفم، اللسان، الشفتين أو الفكّ، وأن يبلغوا عنها فورًا.
نظرًا لأنّه اضطراب مُضلِّل (لأنّه يمكن أن يشبه العديد من الاضطرابات والأمراض التي تنطوي على حركات لا إراديّة شاذّة)، فمن الصعب تشخيصه مبكّرًا وعلى نحو دقيق، وبالتالي يزداد خطر استمراره وإضراره بالأداء اليوميّ وبجودة الحياة. لتقليل هذا الخطر أو لمنعه، من المهمّ التوجّه إلى الطبيب المعالِج فور ظهور الحركات.
*ليس من شأن ما ورد في هذه المقالة أن يشكّل توصية و/أو استشارة طبّيّة. لمزيد من المعلومات، يُرجى التوجّه إلى الطبيب/ة المعالِج/ة.
يرجى الانتباه إلى أنّه تمّت صياغة وكتابة المقالات الواردة في هذا الموقع أساسًا باللغة العبريّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى اللغة العربيّة. لذلك، قد تجدون بعض الاختلافات و/أو عدم الملاءَمة التامّة بينها وبين مقالات الموقع باللغة العبريّة.