
بعد سنوات اعتُبر فيها الصّداع النصفيّ شعورًا ذاتيًّا فحسب، تعترف دولة إسرائيل بالصّداع الشديد كمرض يحدّ من الأداء. د. عوڤيد دانئيل الذي كان شريكًا في وضع الأنظمة الجديدة: "هذا حدث حاسم".
إذا كان هناك شيء ما يريد المصابون بالصّداع النصفيّ منكم أن يعرفوه، فهو أنّ الصّداع النصفيّ ليس صداعًا عاديًّا. إنّه مرض عصبيّ يمكن أن يؤثّر على مجالات عديدة في الحياة. بالإضافة إلى حالات الصّداع المعروفة (والتي هي غير موجودة دائمًا، بالمناسبة)، فإنّ الصّداع النصفيّ يمكنه أن يُؤدّي إلى غثيان أو تقيّؤ، حساسيّة للضجيج وللضوء، اضطرابات في الرؤية، وغير ذلك. المعاناة الجسديّة من الصّداع النصفيّ يمكنها أن تؤثّر على أيّ مجال من مجالات الحياة، سواء أكان ذلك في العمل، أو في الدراسة، أو في أوقات الفراغ، أو في سير الأمور اليوميّ في المنزل. في محادثة مع د. عوڤيد دانئيل، رئيس منظّمة الصّداع الإسرائيليّة التابعة إلى جمعيّة طبّ الأعصاب الإسرائيليّة، أوضح ما يلي: "أكثر من مليون إسرائيليّ يعانون من الصّداع النصفيّ، ومن بينهم مَن يعانون من الصّداع النصفيّ المزمن، أي الصّداع الذي يحدث أكثر من 15 يومًا في الشهر. بخلاف الصّداع التوتُّري (Tension headache)، الذي لا يُعيق الأداء، وغالبًا ما يزول بعد تناول مسكّنات الألم، فإنّ الصّداع النصفيّ يصاحبه اعتلال ملحوظ وضرر كبير في جودة حياة المريض.
"إنّ الكثير من المرضى الذين يأتون إلى عيادتنا بالكاد يتمكّنون من أداء وظائفهم، على سبيل المثال، تستلقي نساء في الثلاثينات والأربعينات من العمر في الفراش طوال اليوم ويكنّ غير قادرات على رعاية أطفالهنّ. بالإضافة إلى التكلفة الشخصيّة لضعف الأداء الوظيفيّ، فإنّ التكلفة على أصحاب العمل يمكن أن تكون مرتفعة أيضًا، لأنّ العديد من الأشخاص الذين يعانون من الصّداع النصفيّ يكونون غير قادرين على أداء عملهم، ويَضطرّون إلى العودة إلى المنزل، أو إلى تقصير يوم العمل، أو إلى التغيُّب عن العمل".
عندما يتعلّق الأمر بالصّداع النصفيّ، فالمجهول أكثر من المعلوم، لكنّنا نعلم أنّ النوبات غالبًا ما تتطوّر، من بين أمور أخرى، في أعقاب تغيُّرات هرمونيّة، ضغط نفسيّ، اضطرابات في النوم، نشاط بدنيّ مُجهِد، وأحيانًا أيضًا بعد تناول أنواع معيَّنة من الطعام. مع ذلك، فإنّ معظم المصابين بالصّداع النصفيّ سيَشهدون أنّه يأتي في بعض الأحيان من العدم، دون مسبِّب واضح.
يميل الكثير من الناس إلى الافتراض بأنّه ينبغي عليهم، وفي إمكانهم، التعامل مع الصّداع النصفيّ بقدراتهم الذاتيّة، ويكون ذلك أحيانًا باستخدام مسكّنات الألم العاديّة، بوصفة طبّيّة أو بدون وصفة طبّيّة. ويؤكّد د. دانئيل أنّ المبالغة في تناول المسكّنات قد تؤدّي إلى تفاقم الوضع: "الإفراط في تناول المسكّنات يمكنه أن يسبّب صداعًا نسمّيه الصّداع الارتداديّ. من جهة أولى، عند تناول مسكّنات الألم يمكن لها أحيانًا أن تخفّف أعراض الصّداع النصفيّ، لكن من جهة أخرى، عند الإفراط في استخدامها، أي عند تناولها أكثر من 10 إلى 15 يومًا في الشهر، يمكن لها أن تسبّب الصّداع. وكردّ فعل على الصّداع الناتج عن المسكّنات، يتناول المعالَجون مسكّنات ألم إضافيّة، وهكذا يستمرّ الصّداع. هذا الأمر هو بمثابة حجر عثرة يمنع تخفيف الألم ويخلق حلقة مفرغة من الصعب وقفها".
عدا مسكّنات الألم المعروفة، مثل الپاراسيتامول، الإيبوپروفين والديپيرون، التي تهدف إلى تخفيف الأعراض بعد حدوث النوبة بالفعل؛ هناك ثلاث مجموعات من الأدوية القديمة المعتمدة للوقاية من نوبات الصّداع النصفيّ. تمّ تطوير هذه الأدوية في الأصل لعلاج الصرع، الاكتئاب أو ارتفاع ضغط الدم، وتبيّن أنّها تمنع الصّداع النصفيّ.
في السنوات الأخيرة، تمّ إطلاق جيل جديد من الأدوية البيولوجيّة المضادّة لـ CGRP، وقد تمّ تطويرها خصّيصًا للوقاية من الصّداع النصفيّ. تحتوي هذه الأدوية على مضادّات تعمل على تحييد الپروتين CGRP، الذي يشارك في عمليّة نشوء الالتهاب العصبيّ الذي يسبّب الصّداع النصفيّ.
يوضّح د. دانئيل: "أنّ العلاج الوقائيّ يُعطى عندما تكون وتيرة الصّداع النصفيّ مرّة واحدة في الأسبوع على الأقلّ. الهدف من العلاج في هذه الحالات هو منع حدوث النوبات وتقليل الاستهلاك المفرط للمسكّنات. تتمثّل إحدى حسنات الأدوية الجديدة في سمة أمانها الممتازة. هناك حسنة أخرى لها وهي وتيرة العلاج. يتمّ العلاج عن طريق الحقن مرّة واحدة في الشهر أو مرّة واحدة كلّ ثلاثة أشهر وفقًا لنوع الدواء، ويمكن القيام بذلك بشكل مستقلّ في البيت. نظرًا لأنّ العلاج مريح، فمن السهل على المعالَجين المواظبة على العلاج".
من الصعب فهم شدّة المحدوديّة التي قد يسبّبها الصّداع النصفيّ، إلّا إذا كنتم قد تعرّضتم في السابق لصداع نصفيّ. لكي يتمكّن الأشخاص الذين يعانون من الصّداع النصفيّ من تلقّي الدعم والتعاطف اللازمين من محيطهم (الأسرة، الأصدقاء والأطبّاء)، فهناك حاجة أيضًا إلى تغيير الطريقة التي نتعامل فيها مع هذا النوع من الصّداع. في عام 2021، حدث شيئان قد يغيّران طريقة تعامل الناس مع الصّداع النصفيّ.
الأوّل هو نشر ورقة الموقف حول الصّداع النصفيّ من قبل الأكاديميّة الأوروپيّة لطبّ الأعصاب والمفوّضيّة الأوروپيّة للصّداع. تؤكّد ورقة الموقف على أنّ الأبحاث تُظهر أنّ الصّداع النصفيّ هو ثاني أكثر الاضطرابات العصبيّة شيوعًا في العالم وهو مسؤول عن محدوديّة جدّيّة أكثر بكثير من أيّ اضطراب عصبيّ آخر.
تتمّ كتابة أوراق الموقف من هذا النوع من قبَل خبراء في مجالهم، وهي تُعتبر مصدرًا موثوقًا ورسميًّا في المجتمع الطبّيّ. يقول د. دانئيل، الذي كان أحد مؤلّفي الوثيقة إنّه "من أجل دعم الأطبّاء والطبيبات في عمليّة اتّخاذ القرار بشأن علاج الصّداع النصفيّ، اجتمعت هيئة من الخبراء ووضعت عشر خطوات لتشخيص الصّداع النصفيّ وعلاجه. ترتكز كلّ خطوة على الخبرة السّريريّة للخبراء وهي مدعّمة بالأبحاث. يُعتبر الاعتراف الرسميّ بالصّداع النصفيّ كمرض عصبيّ مقيِّد خطوة مهمّة في التّغيير الإدراكيّ فيما يتعلّق بالصّداع النصفيّ في أوساط الجمهور والأطبّاء.
الشيء الثاني، وقد يكون البشرى الأهمّ هذا العام لمرضى الصّداع النصفيّ في إسرائيل، هو النشرة الإرشاديّة الدوريّة التي وزّعتها مؤسّسة التأمين الوطنيّ في أيّار 2021، وبموجبها يمكن الحصول على اعتراف بإعاقة من جرّاء الصّداع مع مخصّصات إعاقة عامّة، مصابي عمل وضريبة دخل. المعنى العمليّ لذلك هو أنّ الصّداع النصفيّ، الذي كان يُعتبر حتّى الآن مجرّد شكوى ذاتيّة، قد أصبح مُعترفًا به الآن كمرض يسبّب المحدوديّة. إنّ الأشخاص الذين يعانون من الصّداع النصفيّ قد يكونون مستحقّين للحصول على نسب إعاقة، وذلك وفقًا لأربعة مستويات للإعاقة حدّدتها مؤسّسة التأمين الوطنيّ.
الأشخاص الذين يعانون من صداع متوسّط إلى شديد، على مدى 4 أيّام في الشهر على الأقلّ، قد يكونون مستحقّين لـ:
الأشخاص الذين يعانون من صداع متوسّط إلى شديد، على مدى 4 أيّام في الشهر على الأقلّ، والذين لا يستجيبون للعلاج الوقائيّ بثلاثة أدوية مخصّصة للصّداع النصفيّ، قد يكونون مستحقّين لـ %40 إعاقة.
تمّ وضع أنظمة التأمين الوطنيّ بالاشتراك مع منظّمة الصّداع الإسرائيليّة التّابعة إلى جمعيّة طبّ الأعصاب في إسرائيل. "هذا حدث حاسم بالنسبة إلى المعالَجين والأطبّاء في إسرائيل، الذين كثيرًا ما ظُلِموا من قبل المُحكِّمين في اللجان الطبّيّة، رغم أنّهم مرضى بمرض صعب وغير قادرين على أداء وظيفتهم. إنّ التغيير الإدراكيّ المنشود لن يحدث بين عشيّة وضحاها، لكنّني أعتقد أنّه مع مرور الوقت سنرى كيف سيتغلغل في وعي عامّة الجمهور في إسرائيل"، ختم د. دانئيل كلامه.
إذا كنتم تعانون من الصّداع النصفيّ، توجّهوا إلى طبيب الأعصاب للتشخيص ولتلقّي العلاج.
*ليس من شأن ما ورد في هذه المقالة أن يشكّل توصية و/أو استشارة طبّيّة. لمزيد من المعلومات، يُرجى التوجّه إلى الطبيب/ة المعالِج/ة.
يرجى الانتباه إلى أنّه تمّت صياغة وكتابة المقالات الواردة في هذا الموقع أساسًا باللغة العبريّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى اللغة العربيّة. لذلك، قد تجدون بعض الاختلافات و/أو عدم الملاءَمة التامّة بينها وبين مقالات الموقع باللغة العبريّة.