
هناك أكثر من 150 نوعًا من الصّداع، الأساسيّ والثانويّ، وفقًا لجمعيّة الصّداع الدوليّة (IHS). حالات الصّداع الأساسيّ هي تلك التي لا تنشأ عن مشكلة طبّيّة معروفة، مثل مرض أو إصابة. أسبابها غير مفهومة بقدر كافٍ ويتمّ تصنيفها وفقًا لنمطها السّريريّ. كما يبدو فإنّ سلسلة من الإجراءات الدماغيّة تؤثّر على الأوعية الدمويّة والخلايا العصبيّة داخل الجمجمة وخارجها، وتؤدّي إلى نقل إشارات الألم إلى الدماغ، وبالتالي إلى حالات الصّداع هذه. أكثر حالات الصّداع الأساسيّ شيوعًا وذيوعًا هو الصّداع النصفيّ (ويُسمّى أيضًا الشَّقيقة أو ألم نصف الرأس)، الصّداع التوتُّريّ والصّداع العُنقوديّ.
تحدث حالات الصّداع الثانويّ من جرّاء مرض أو وضع يُصيب الدماغ، وغالبًا ما يتمّ تشخيصها بناءً على أعراض أخرى تحدث بالتزامن. على سبيل المثال، من الممكن أن تنجم عن إصابة في الرأس، التهابات مثل التهاب السّحايا والتهاب الدماغ، التعرُّض لموادّ كيميائيّة سامّة، معادن، موادّ تنظيف، مُذيبات ومُبيدات، ورم دماغيّ (من الممكن أن يضغط على الأنسجة العصبيّة وجدران الأوعية الدمويّة الحسّاسة للألم) وسكتة دماغيّة.
الصّداع النصفيّ هو مرض عصبيّ. عَرَضُه الأساسيّ هو ألم الرأس ولكنّه قد يسبّب أعراضًا أخرى. يُعتقد عمومًا أنّه يتضمّن مسارات عصبيّة، موادّ كيميائيّة وتغيُّرات تؤثّر على تدفُّق الدم في الدماغ وفي الأنسجة المحيطة به، وأنّ ألم الرأس ناجم عن تنشيط الألياف العصبيّة الموجودة في جدار الأوعية الدمويّة التي تغذّي الدماغ. في معظم الأحيان يكون ألم الرأس أحاديّ الجانب، نابضًا ومتوائمًا، بحدّة متوسّطة حتّى شديدة. قد تستمرّ النوبة من 4 ساعات حتّى 72 ساعة، وقد تظهر بوتائر متغيِّرة وحتّى قد تصبح مزمنة (أكثر من 15 يومًا من الألم في الشهر). أعراض الصّداع النصفيّ التي من الممكن أن تصاحبه هي، على سبيل المثال، الحساسيّة البالغة للضوء، للضجيج وللروائح، حالات الغثيان والتقيُّؤ، التشوّش الذهنيّ، ضبابيّة الرؤية، تقلّبات المزاج والتعب.
عامل الخطر الرئيسيّ للصّداع النصفيّ هو الوراثة (معظم المصابين بالمرض لديهم فرد في العائلة يعاني منه أيضًا). ويقوم الباحثون بدراسة ما إذا كانت تغيّرات جينيّة معيّنة هي التي تُسبِّبه. إحدى الاستراتيجيّات للقيام بذلك هي مقارنة العائلات التي تضمّ أشخاصًا يعانون من الصّداع النصفيّ مع شريحة سكّانيّة أكبر عددًا. المُحرِّضات التي يمكنها أن تثير نوبة الصّداع النصفيّ هي، من جملة الأمور، قلّة ساعات النوم أو زيادتها، التغيُّر الفجائيّ في الطقس أو في البيئة، الرائحة القويّة، التغيُّرات في الحالة الشعوريّة، التوتُّر، الإجهاد البالغ، الضجّة الشديدة أو الفجائيّة، تخطّي وجبات طعام، نسبة السكّر (الچلوكوز) المنخفضة في الدم، التبغ، استهلاك الكحول، الأضواء السّاطعة أو الوامضة، والتغيُّرات الهرمونيّة (مثل الحيض). كما تبيَّن أنّ الإفراط في تناول الأدوية، القلق والاكتئاب هي أكثر شيوعًا لدى الأشخاص الذين يعانون من الصّداع النصفيّ.
قد يؤدّي بعض المركّبات الغذائيّة أيضًا إلى إثارة الصّداع النصفيّ، على ما يبدو بسبب التغيُّرات التي تسبّبها للأوعية الدمويّة. على سبيل المثال: الكافيين، النبيذ والمشروبات الكحوليّة الأخرى، المُحلِّي الصناعيّ أسپارتام، الشوكولاتة، اللحوم المعلَّبة أو المصنَّعة، الأجبان المعتَّقة، الغلوتامات أحاديّة الصوديوم، بعض الفواكه والمكسَّرات، المخلَّلات والخمائر.
ينقسم الصّداع النصفيّ إلى عدّة أنواع. عادةً ما يتمّ تحديد نوع الصّداع النصفيّ بحسب العرَض السائد، ولدى العديد منه أكثر من نوع واحد. النوعان الأساسيّان هما الصّداع النصفيّ المصحوب بأورة (Aura) والصّداع النصفيّ من دون أورة (هالة). الصّداع النصفيّ المصحوب بأورة – والذي كان يُطلق عليه سابقًا الصّداع النصفيّ الكلاسيكيّ – غالبًا ما يشمل اضطرابًا في مجال الرؤية (ومضات من الضوء وبقع سوداء) أو أعراض عصبيّة إضافيّة مثل الاضطراب في النطق، الإحساس غير الطبيعيّ، الخدَر أو ضعف العضلات في جانب واحد من الجسم، وخز في اليدين أو في الوجه، والتشوُّش الذهنيّ. قد تظهر هذه الأعراض قبل نحو 10 إلى 60 دقيقة من الصّداع، وغالبًا ما تستمرّ حتّى ساعة من الزمن. الصّداع النصفيّ من دون أورة هو الشكل الأكثر شيوعًا. تشمل أعراضه ألم الرأس الفجائيّ، وعلى غرار الصّداع النصفيّ المصحوب بأورة، فعادةً ما يكون ألم الرأس محسوسًا في جانب واحد من الرأس، ويُصاحبه أيضًا غثيان، تشوُّش ذهنيّ، ضبابيّة في الرؤية، تقلّبات في المزاج، تعب وحساسيّة بالغة للضوء، للأصوات أو للضجيج.
الصّداع النصفيّ البطنيّ: يُصيب الأطفال الصغار في الأساس وينطوي على ألم متوسّط حتّى شديد في وسط البطن يستمرّ من ساعة إلى 72 ساعة، مع صداع طفيف أو من دونه. تشمل الأعراض الأخرى الغثيان، التقيّؤ وفقدان الشهيّة. الكثير من الأطفال المصابين بالصّداع النصفيّ البطنيّ سيُعانون من الصّداع لاحقًا في حياتهم.
الصّداع النصفيّ القاعديّ: يظهر غالبًا لدى الأطفال والفتيان، وخصوصًا لدى الفتيات (ربّما بسبب الدورة الشهريّة). تشمل أعراضه الفقدان الجزئيّ أو الكامل للرؤية أو ازدواج الرؤية، الدوخة وفقدان التوازن، نقص التنسيق العضليّ، عسر النطق (بلع كلمات)، الطّنين في الأذنين والإغماء. قد يكون الصّداع فجائيًّا. وهو نابضٌ ويمكن الشعور به على كلا جانبي مؤخّرة الرأس.
الصّداع النصفيّ الفالج: شكل نادر وصعب من الصّداع النصفيّ يسبّب شللًا مؤقّتًا في جانب واحد من الجسم قبل أو خلال ظهور الصّداع (يستمرّ، أحيانًا، عدّة أيّام). قد تبدأ أعراض مثل الدوخة، الإحساس بالوخز والاضطراب في الرؤية، النطق أو البلع قبل الصّداع، وغالبًا ما تتوقّف بعد ذلك بوقت قصير. عندما يظهر الصّداع النصفي الفالجي في العائلة يُطلق عليه اسم الصّداع النصفيّ الفالجيّ العائليّ (FHM). تمّ تحديد ما لا يقلّ عن ثلاث طفرات وراثيّة نادرة تسبّب الـ FHM.
الصّداع النصفيّ الحيضيّ: يُصيب النساء في حوالي أيّام الحيض أو في أوقات أخرى خلال الدورة الشهريّة. غالبًا ما يكون ذلك صداعًا نصفيًّا من دون أورة، ينطوي على ألم نابض في جانب واحد من الرأس، غثيان، تقيّؤ وحساسيّة بالغة للصوت وللضوء.
صداع نصفيّ من دون ألم في الرأس: يتميّز باضطرابات في الرؤية أو بغيرها من أعراض الأورة، بالغثيان، بالتقيّؤ وبالإمساك. من الممكن أن تكون الحمّى، الدوخة و/أو الألم غير المفسّر في جزء معيّن من الجسم من ضمن الأنواع المحتملة للصّداع النصفيّ من دون ألم في الرأس.
الصّداع النّصفيّ الحالة (Status Migrainosus): نوع نادر وخطير من الصّداع النصفيّ الحادّ الذي يمكن أن يستمرّ فيه ألم الرأس والغثيان مدّة 72 ساعة أو أكثر. قد يكون بالغ الشّدّة لدرجة تستدعي الرقود في المستشفى.
هناك نوع آخر من الصّداع الأساسيّ هو الصّداع التوتُّريّ. الحديث هو عن الصّداع الأساسيّ الأكثر شيوعًا. غالبًا ما يكون ثنائيّ الجهة (في كلا جانبي الرأس)، في مقدّمة الرأس أو منتشرًا، ضاغطًا وليس نابضًا، وحدّته خفيفة حتّى متوسّطة. قد يستمرّ من نصف ساعة إلى عدّة أيّام على مدى أيّام حتّى أشهر. يبدأ عادةً في سنّ المراهقة ويبلغ ذروته في الثلاثينات من العمر. قد ينجم عن توتّر نفسيّ، ضغط في العمل، تخطّي وجبات طعام، اكتئاب، قلق وقلّة نوم. هناك سبب آخر للصّداع التوتُّريّ هو الوضعيّات التي تُجهِد عضلات الرأس والرقبة (مثل إمساك الهاتف بين الكتف والأذن). عادةً ما يختفي مع زوال السّبب الذي أدّى إليه.
الصّداع العنقوديّ هو أيضًا صداع أساسيّ. وهو عبارة عن ألم شديد يظهر غالبًا في جانب واحد من الرأس – في الجبين، خلف العين أو حولها – وتُصاحبه أعراض في الجانب المُصاب، مثل سيل الدّموع/ سيلان الأنف، الاحمرار، التورّم في العين وفي الأنف. وقد يُصاحبه أيضًا تململ، تغيّرات في وتيرة نبض القلب وفي ضغط الدم وحساسيّة للضوء، للصوت أو للرائحة. يستمرّ هذا حتّى ثلاث ساعات تقريبًا ويتّسم بوتيرة متكرِّرة (عادة من مرّة واحدة إلى ثلاث مرّات في اليوم) في فترتين من السنة، في الأساس في فصلَي الربيع والخريف، وقد يستمرّ عدّة أسابيع. يظهر عادةً في الليل (ما قد يدلّ على أنّه ناجم عن عدم انتظام دورات الاستيقاظ-النوم).
ينشأ عادةً في سنّ 20-50 عامًا. قد تكون عوامل الخطر هي الكحول (النبيذ الأحمر، خصوصًا)، التدخين، الإصابة في الرأس سابقًا والخلفيّة العائليّة (الوراثة).
للتلخيص، الصّداع النصفيّ هو مرض عصبيّ يمكن أن يسبّب العديد من الأعراض، والصّداع (الشديد، عادةً) هو أحدها. يختلف عن أنواع الصّداع الأخرى في مدّته، خطورته والأعراض المصاحبة له. لتقييم الصّداع، في الإمكان الاستعانة بنظام تصنيف اضطرابات الصّداع الذي أصدرته جمعيّة الصّداع الدوليّة (IHS).
*ليس من شأن ما ورد في هذه المقالة أن يشكّل توصية و/أو استشارة طبّيّة. لمزيد من المعلومات، يُرجى التوجّه إلى الطبيب/ة المعالِج/ة.
يرجى الانتباه إلى أنّه تمّت صياغة وكتابة المقالات الواردة في هذا الموقع أساسًا باللغة العبريّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى اللغة العربيّة. لذلك، قد تجدون بعض الاختلافات و/أو عدم الملاءَمة التامّة بينها وبين مقالات الموقع باللغة العبريّة.