
ترتكز الأدوية الوقائيّة الجديدة للصّداع النصفيّ على الآليّة التي تُسبِّبه. هكذا هي تعمل للتقليل من وتيرته، شدّته، مدّته وأعراضه، والهدف منها أيضًا هو مساعدة المعالَجين الذين لم يستجيبوا للأدوية الأخرى. كيف تعمل؟
الصّداع النصفيّ هو مرض عصبيّ شائع يُصيب نحو %14 من سكّان العالم. وهو ينطوي على تغيُّرات وظيفيّة وأحيانًا بنيويّة في الدماغ ويسبّب العديد من الأعراض، وأهمّها هو الصّداع (غالبًا ما يكون بدرجة متوسّطة حتّى شديدة). قد تستمرّ نوباته ساعات أو حتّى أيّام.
في إطار الجهود المبذولة لإيجاد حلول للمرض، تطوّر البحث في الفيزيولوجيا المرضيّة الخاصّة به وفي دور الپپتيد العصبيّ (پروتين صغير تُنتجه الخلايا العصبيّة) الذي يُدعى (CGRP) Calcitonin Gene Related Peptide. هذا الپروتين مهمّ في التوسّط في الالتهاب العصبيّ (من أصل عصبيّ) الذي يحدث حول الأوعية الدمويّة في الدماغ في أثناء الصّداع النصفيّ وفي مسارات انتقال الألم في الجهاز الثلاثيّ التوائم (العصب الثلاثيّ التوائم – وهو واحد من الأعصاب القِحفيّة الـ 12 التي ترسِل المعلومات عن الألم إلى الدماغ). بكلمات أخرى، عند حدوث نوبة الصّداع النصفيّ ينطلق الـ CGRP في أغشية الدماغ ويُسبّب التهابًا قويًّا وآلامًا. في الواقع، إذا تلقّى الأشخاص المصابون بالصّداع النصفيّ الـ CGRP عبر الحقن الوريديّ فسوف يُصاب معظمهم بنوبة خلال أربع ساعات.
عندما تمّ إدراك أنّ الـ CGRP يسبّب الصّداع النصفيّ، كان واضحًا أنّه إذا أمكن تثبيطه فسوف يتسنّى علاج المرض بشكلٍ عينيّ. لهذا السبب تمّ تطوير الأدوية المضادّة له – مضادّات -CGRP (صادقت الـ FDA – إدارة الغذاء والدواء الأمريكيّة – على أوائلها في عام 2018). هذه الأدوية هي مضادّات وحيدة النسيلة تحجب الـ CGRP، وهي تنقسم إلى نوعين أساسيّين: إمّا أنّها تمنع هذا الپروتين من الارتباط بمستقبِله، وإمّا أنّها تحجب المستقبِل نفسه. يُحدّد المؤشِّر المعتمد حاليًّا أنّه سيتمّ استخدام المضادّات التي تحجب الـ CGRP في العلاج الوقائيّ من الصداع النصفيّ.
يتمّ تناول معظم الأدوية عن طريق الحقن الذاتيّ، بحقنة آليّة تحت الجلد في المنزل، مرّة في الشهر أو كلّ ثلاثة أشهر، ويتمّ إعطاء أحدها (متوافر في الولايات المتّحدة) عن طريق الحقن الوريديّ كلّ ثلاثة أشهر. في الإمكان ملاحظة التأثير لدى قسم من المرضى منذ الأسبوع الأوّل، وتوصي الإرشادات الدوليّة بالعلاج لمدّة ثلاثة أشهر في الأقلّ من أجل تقييم فعاليّتها.
أثبتت الأبحاث فعالية مضادّات الـ CGRP ووجدت أنّها تقلّل من وتيرة الصّداع النصفيّ، شدّته، مدّته وبعض الأعراض الأخرى، مثل الحساسيّة للضوء. ووجدت التجارب السريريّة انخفاضًا كبيرًا (بارزًا) في أيّام الصداع النصفيّ ونسبة عالية من المعالَجين الذين أبدوا استجابة بنسبة تزيد عن %50 في تقليل عدد أيّام الصداع النصفيّ والصداع. أثبِتَت الفعاليّة أيضًا في أنواع كثيرة من الصّداع النصفيّ، بما فيها الصّداع النصفيّ المصحوب بأورة ومن دون أورة، الصّداع النصفيّ المزمن أو العرَضيّ، الصداع النصفيّ الناجم عن الإفراط في تناول مسكِّنات الألم وغير ذلك.
بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أنّ الأدوية الجديدة تسبّب انخفاضًا في استخدام العلاجات الحادّة خلال الشهر، كما أنّها كانت قادرة على مساعدة المعالَجين الذين لم يستجيبوا للعديد من الأدوية الوقائيّة الأخرى. المضادّات وحيدة النسيلة هي جزيئات كبيرة لا تنتقل إلى الدماغ بشكل كبير ولا يتمّ استقلابها في الكبد. أي أنّها ليست سامّة للأعضاء ومن المفترض أن يكون تفاعلها مع الأدوية الأخرى (التداخلات الدوائيّة) ضئيلًا. حتّى الآن، أظهرت الأبحاث أنّ سجلّ أعراضها الجانبيّة يبدو شبيهًا بسجلّ الأدوية الوهميّة (پلاسيبو).
تمثّل مضادّات الـ CGRP عهدًا جديدًا في علاج الصّداع النصفيّ. حتّى الآن، لم يتمّ تطوير أدوية وقائيّة مخصّصة تحديدًا للصّداع النصفيّ، تمنح فائدة سريريّة كبيرة وهي أيضًا جيّدة التحمُّل. لم يتمّ تطوير معظم الأدوية الوقائيّة التي تمّ إعطاؤها حتّى الآن للصّداع النصفيّ خصّيصًا من أجله (وإنّما لأمراض أخرى مثل الاكتئاب، التشنّجات وضغط الدم)، ولقد تسبّبت في أعراض جانبيّة جعلت الناس يمتنعون عن تناولها في أغلب الأحيان. الآن، ولأوّل مرّة، يستطيع مرضى الصّداع النصفيّ الحصول على أدوية مخصّصة لهذا المرض تُقلّل من المعاناة التي يسبّبها وتُحسِّن جودة الحياة عن طريق تناولها مرّة واحدة في الشهر أو مرّة واحدة كلّ ثلاثة أشهر (مرّة واحدة كلّ رُبع سنة).
إذا كنتم تعانون من صداع نصفيّ - هناك ما يمكن فعله.
هناك طرق جديدة للوقاية من الصّداع النصفيّ.
توجّهوا إلى طبيب أعصاب لتلقّي العلاج المناسب لكم.
*ليس من شأن ما ورد في هذه المقالة أن يشكّل توصية و/أو استشارة طبّيّة. لمزيد من المعلومات، يُرجى التوجّه إلى الطبيب/ة المعالِج/ة.
يرجى الانتباه إلى أنّه تمّت صياغة وكتابة المقالات الواردة في هذا الموقع أساسًا باللغة العبريّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى اللغة العربيّة. لذلك، قد تجدون بعض الاختلافات و/أو عدم الملاءَمة التامّة بينها وبين مقالات الموقع باللغة العبريّة.