
"الكنابس (القُنَّب أو الماريحوانا الطبّيّة) ليس دواءً، وليس مسجّلًا كدواء، ولم يتمّ بعد إثبات فعاليّته وسلامته عند استخدامه لأغراض طبّيّة. مع ذلك، هناك أدلّة على أنّ الكنابس قد يساعد المرضى الذين يعانون من حالات طبّيّة معيّنة، ويخفّف من معاناتهم". بهذه الكلمات يبدأ الإجراء 106، الوثيقة الرسميّة لوزارة الصحّة التي تُملي سياسة الموافقة والتراخيص لاستخدام الكنابس الطبّيّ في إسرائيل لمختلف الأمراض والحالات الطبّيّة.
بالنسبة إلى ترخيص استخدام الكنابس الطبّيّ للأطفال، يشير الإجراء 106 إلى مرضَين اثنين لهما دواعي استخدام عينيّة – الصّرع الشديد الذي لا يمكن السيطرة عليه والاضطراب السلوكيّ للأطفال الذين يعانون من طيف التوحّد. توجد لهاتين الحالتين شروط مفصّلة في الإجراء المذكور.
تحتوي نبتة الكنابس على مئات الجزيئات ذات التأثير المعروف أو المفترض على جهازنا العصبيّ، بما في ذلك أكثر من 100 مركّب فريد تُسمّى فيتوكانابينويدات (كانابينويدات مصدرها من النبتة). من بين هذا التنوّع كلّه، لا يوجد سوى نوعين رئيسيّين من الفيتوكانابينويدات مستخدمَين في العلاج الدوائيّ، هما THC وCBD. الـ THC هو المركّب ذو التأثير النفسانيّ الرئيسيّ في النبتة، وهو مسؤول عمّا يعرف باللغة العاميّة بـ"عالي". الـ CBD (أو كانابيديول) هو مركّب غير مؤثّر نفسانيًّا – يخفّف القلق، وله تأثيرات مضادّة للذهان وخصائص تحمي الخلايا العصبيّة.
لموادّ الكانابينويدات تأثير كبير على السلوك الاجتماعيّ لبني البشر – في مختلف الحالات الطبّية، وجدت الأبحاث أنّ العلاج بالكنابس له نتائج واعدة، إذ يمكنه أن يقلّل من مشاعر العداء تجاه الآخرين ويُحسّن التواصل بين الأشخاص. على سبيل المثال، تمّ العثور على أدلّة جيّدة على أنّ منتجات CBD فعّالة في الحدّ من النوبات في أنواع معيّنة من الصرع الشديد لدى الأطفال الذين لا يستجيبون للعلاجات الأخرى.
تُعتبر نوبات الصّرع من النوبات التي من الصعب السيطرة عليها أو الوقاية منها بمساعدة العلاج الدوائيّ. حتّى عند إعطاء أدوية فعّالة مضادّة للصرع – يستمرّ نحو ثلث المعالَجين في المعاناة من النوبات. لدى المعالَجين الذين يعانون من النوبات حتّى بعد تجربة ثلاثة أدوية مختلفة – فإنّ احتمال وقف النوبات من خلال العلاج الدوائيّ هو احتمال ضئيل للغاية تقلّ نسبته عن %3.5. في مثل هذه الحالات، يمكن علاج النوبات عن طريق الخضوع لعمليّة جراحيّة، تحفيز الأعصاب أو اتّباع نظام غذائيّ مولِّد للكيتون. من الممكن أن يمنح الكنابس الطبّيّ أملًا كبيرًا في تقليل النوبات للمعالَجين الذين لا يستطيعون الخضوع لعمليّة جراحيّة أو الذين لا يستجيبون لمجموعة متنوّعة من العلاجات التي ذكرناها هنا. بعبارة أخرى – يمكن اعتباره حاليًّا بمثابة "ملاذ أخير" لأيّ شخص لم تلائمه طرق العلاج الأخرى.
فحصت الأبحاث السريريّة المكثّفة التي أجريت في السنوات الأخيرة تأثير الكانابينويدات لدى مرضى الصّرع، وركّزت على الكانابينويد الذي يُعتبر أكثر أمانًا – الـ CBD. يُعتقد عمومًا بأنّ له تأثيرًا مضادًّا للصرع أكبر من الـ THC. بعد إجراء أبحاث ناجحة حول الفعاليّة والسلامة، تمّت المصادقة على دواء يرتكز على الـ CBD لعلاج أنواع صعبة من الصّرع.
يعاني الأشخاص المصابون بطيف التوحُّد من العديد من الصعوبات الاجتماعيّة، مشكلات التواصل، المشكلات الحسّيّة، أنماط السلوك المتكرّرة والاهتمامات المحدودة، وفي كثير من الحالات من المشكلات الإدراكيّة والسلوكيّات التي تضايق بيئتهم وتخلق قوالب نمطيّة ينبغي عليهم التعامل معها. تظهر هذه الأعراض في سنّ مبكّرة وتسبّب إعاقة جدّيّة لدى الأطفال. يعاني نحو %50 من الأطفال والمراهقين الذين لديهم طيف التوحُّد من مشاكل سلوكيّة، من بينها نوبات الغضب، العدوانيّة وإيذاء النفس.
العلاج الاعتياديّ لهذه المشاكل يجمع بين العلاج السلوكيّ والأدوية (بشكل أساسيّ، مضادّات الذهان غير التقليديّة والأدوية المُثبّتة للحالة المزاجيّة). من الجدير بالذكر هنا أنّ فعاليّة هذه الأدوية وقدرة تحمُّلها لدى الأطفال الذين لديهم طيف التوحّد هما أقلّ جودة. لهذا السبب، يعاني ما يقرب من %40 من الأطفال والمراهقين الذين شُخّص لديهم طيف التوحُّد من سلوكيّات تؤثّر سلبًا على جودة حياتهم وتُثقِل على أسرهم. يؤدّي الإحباط الناتج عن هذا الأمر بالعديد من الآباء إلى البحث عن حلّ في الطبّ البديل أو التكميليّ.
هناك حالات يتداخل فيها الصّرع والتوحّد معًا. يُعدّ الصّرع من أكثر الأمراض شيوعًا بين الأطفال والمراهقين الذين شُخِّص لديهم طيف التوحُّد، وهناك عدّة عمليّات فيزيولوجيّة مرضيّة تشارك في مراحل كلا المرضين. هذا هو السبب في أنّ الآثار الإيجابيّة للكانابينويدات لدى المعالَجين الذين لا يستجيبون للعلاج مهمّة أيضًا للأطفال الذين لديهم طيف التوحُّد. فحص بحث إسرائيليّ - وهو أحد الأبحاث الخاضعة للرقابة التي أجريت حتّى الآن في العالم - مدى تأثير الكنابس الطبّيّ على الأطفال الذين لديهم طيف التوحُّد. تبيّن في بعض المؤشّرات التي تمّ فحصها في البحث أنّ الكنابس الطبّيّ كان أكثر فاعليّةً من الدواء الوهميّ (الپلاسيبو) في تخفيف التهيُّج العصبيّ وكذلك في تخفيف بعض أعراض طيف التوحُّد.
لا يزال أمامنا طريق بحثيّ طويل. على الرغم من أنّ آثار الكنابس علينا يعود تاريخها إلى آلاف السنين، إلّا أنّه لا يزال هناك نقص في المعطيات، وبالتالي لم يتمّ بعد تقديم توصية كاملة مدعومة بالأبحاث لاستخدام الأدوية المرتكزة على الكنابس لدى الأطفال. كلّما ازداد عدد الأبحاث، زادت المعرفة المتراكمة بشأن فعاليّة وسلامة الكنابس في مجال طبّ الأطفال. مع ذلك، ووفقًا لما هو مفصّل في الإجراء 106 المذكور في بداية المقالة، تَسمح وزارة الصحّة باستخدام منتجات الكنابس الطبّيّ للأطفال الذين يعانون من الصّرع الشديد أو من طيف التوحُّد تحت شروط معيّنة. ترتكز هذه الشروط على المعرفة المتراكمة حتّى الآن.
*ليس من شأن ما ورد في هذه المقالة أن يشكّل توصية و/أو استشارة طبّيّة. لمزيد من المعلومات، يُرجى التوجّه إلى الطبيب/ة المعالِج/ة.
يرجى الانتباه إلى أنّه تمّت صياغة وكتابة المقالات الواردة في هذا الموقع أساسًا باللغة العبريّة، ومن ثمّ تُرجمت إلى اللغة العربيّة. لذلك، قد تجدون بعض الاختلافات و/أو عدم الملاءَمة التامّة بينها وبين مقالات الموقع باللغة العبريّة.